على رصيف الميناء قال القبطان ماريو للفتى ...أنت الأن بحاجة الى كتاب يأخذك بين دفتيه لعوالم أخرى , كتب يغرقك فى بحر سطوره وانفعلاته المتلاطمة , تحتاج كتاب عواصف افكاره قادرة على اطفاء نار افكارك أو على الأقل تذيدها نورا وبهاء , ثم اردف بصوت خفيض , تحتاج كتاب تأخذك أحداثه لعوالم اخرى , عوالم قادرة وانهار جارية تغسل ما اصابك من مياه المستنقع الراكدة
هنا ابتسمت ايزابيلا قائلة _
ما شعورك عندما عبرت المستنقع الذى حذرك منه فرناندو؟
قال الفتى .....تأكدت انه مستنقع بالفعل
ابتسمت قائلة -
وفى المرة القادمة هل ستعبره ؟
قال الفتى ....لا ولكننى سأتبع العلامات
هنا تدخل بيومى أبو مرسى قائلا وهو يضحك ...أنت الأخر تتحدث عن العلامات , ثم اردف وهو يستكمل ضحكته .....يوما ما قال الكاتب البرازيلى الأشهر فى قصته الشهيرة عبارة أصبحت أكثر شهرة منه ومن قصته
اتبع العلامات
ومن يومها وأفواج المدعين والمهوسين يتحدثون عن العلامات , ويتكلمون عن الأشياء التى تتأمر لتحقيق بطيختهم الذاتية على حد قوله
ابتسم الفتى لأول مرة ...فهو يعلم ان بطيخته الذاتية وكل حقوله تقبع هناك , بعد الجمرك , حيث سيجتاز حدود بورسعيد والأسماعيلية وكمين العاشر ليصل الى رمسيس حيث يستطيع الوصول الى بطيخته الذاتيه هناك وسط المدينة حيث القاهرة بكل ما تحملها الكلمة من معانى ,,هناك ,, تقبع بطيخته الذاتية , أو قل حقول بطيخه ,ويتمنى يوم ان يجدها على شرط ان تكون حمراء
وهنا ترك الفتى الميناء وذهب بعيدا يجاور البحر , جلس فى مكانه المفضل , اراد ان يشاركه البحر افكاره واختياراته كالعادة , كان الشاطئ خاليا , مما اتاح له فرصة للتفكير بعمق فى التجربة , وفجأ وجد امامه سيارة تسير على الشاطئ الرملى تحمل لوحات ملاكى القاهرة هنا انتفض الفتى وهو يتذكر مقولة الكاتب البرازيلى ......أتبع العلامات ,هاهى العلامة تلوح له من بعيد قائلة ان بطيخته الذاتية ستكون حمراء فى الغالب ثم حسم أمره بالسفر وليكن ما يكن
عندما تصادق القاهرة سيكون من الممتع ان تعيش وحدك , تسير وحدك , تنام وتستيقظ وتتناول افطارك وحدك , حتى وانت وسط امواج البشر فى الطرقات ومحطات المترو تشعر انك وحدك , ,وهنا وعند تلك النقطة تتحول المتعة الى ألم , تتضائل متعة تأمل الوشوش وتختفى تدريجيا لتحل محلها الألم الناتج من تدافع الأجسام والأجساد واعتصار الجسد للجسد , انها القاهرة يا فتى , حيث تجلس وحدك وسط زحام البشر تتأمل كل تلك الأسماء القاهرية على شاشة تيلفونك المحمول متسائلا من منهم يستحق ان تخبره بوجودك , انها القاهرة التى قد تقهر الامك واحباطاتك يوما , وقد تقهر معها احلامك هى الأخرى , انها تلك المدينة التى تأخذك روحك بشكل لا ارادى الى نيلها ليلا لتتوسط كوبرى اكتوبر وتنظر للنيل متسائلا هى سيروى احلامك ام سيغرقها فى قاعه , ثم ترفع رأسك متأملا الأبراج الشاهقة التى تعلوها الأعلانات بأضوائها التى تبعث فى نفسك شعور قاتل بالوحدة والأفتقاد , وتتذكر كم كنت تعشق تلك الأضواء يوما منذ سنوات , هى تلك المدينة التى فى وسطها ذلك المبنى العملاق الذى ستقف صباحا امامه متأملا الدور الحادى والعشرين حيث مفترض ان تجرى مقابلتك الشخصية التى ستؤهلك للعمل الجديد كمحاسب , تؤلمك رقبتك فتتشبث اكثر بالسيفى خاصتك وانت تتجه لتجلس على ذلك المقهى الذى جلس عليه قبلك امل دنقل ويحى الطاهر عبدالله , انها القاهرة عزيزى ....حيث تتنازل عن احلامك العملية والأدبية وتترك منزل قريبك قبل الفجر لتستقبلك شوارع العجوزة ونيلها وكباريهاتها , تعبر النيل فتتذكر البحر وطيبة العم ماريو وعيون ايزابيلا الساحرة , تشتاق لدعابات بيومى ابومرسى , والاعيب فرناندو الساذجة , سترى القاهرة وهى تستيقظ بين يديك ايها الفتى , تدعوك للمرة الثانية ان تشاركها يوما جديد , هل ستوافق أم ستعود لرصيف الميناء من جديد