قال العجوز عندما لاحظ تأملى للشمس وهى فى رحلتها الأبدية نحو الغرب والأختفاء تدريجيا فى قلب البحر ,((, قبل ما تقف على الشط , , وتمد نظرك لبلاد الخواجات , لازم قبلا تمد نظرك لأهلك وأصلك )) , كان يكررها كل فى مرة أتى لزيارته , دائما كما هو , فى نفس المكان البعيد عن المدينة , ونفس الجلسة العتيقة , ((نهاية بورسعيد يا ياكلها البحر , يا تاكلها النار )) كان يرددها كلما سأل عن تفضيله الحياة فى (الجرابعة), كان قد ورث ذلك الخوف التقليدى من أهل المدينة القدامى , عندما كان البحر , جارهم القديم , , ومصدر رزقهم , يثور عليهم , فيهجم على المدينة ويغرقها , ويدمر البيوت الخشبية القديمة , التى وان نجت من ثورته , فان طبيعتها الخشبية تأبى الا ان يدمرها حريق من ان لأخر , لم اصدق او اتخيل موضوع الغرق , الا عندما ثار البحر منذ عدة سنوات , و اقتحم المدينة مغرقا الشوارع ويصل لعمق كيلو متر فى وسط المدينة . تعودت ان اذهب للعجوز مع جدى , أعرف انه قريب لنا بشكل ما , اراه كما تركته فى نفس الجلسة الأبدية امام البحر , او بجانب البحيرة , , يتركنى العب بجواره , اكنشف هذا العالم المثير , , وبين كل فترة واخرى يهتف باسمى , يسألنى عن اللغة الأنجليزية , , يبدأ فى كتابة حروفها على الرمال , و هو يحكى كيف كان يذهب ل (الأسكولة) التى انشاها الأنجليز لأبنائهم , ليتعلموا فيها مع المصريين نفس المناهج التى يتعلمها اقرانهم قى انجلترا , يتركنى انطلق لشاطىء البحيرة , , أصنع مراكب ورقية , واتركها للأمواج تعبث بها , تأخذها للمجهول , , اتابعها بعينى , , و , اتسائل هل من الممكن اناقابلها من جديد , , أعود للعجوز , أجده يصنع لى الطائرات الورقية , و السنانير البدائية , , يعلمنى كيف أطعم السنارة , متى اخطفها فى الوقت المناسب , تعلمت ان اتوقع نوع السمكة قبل ان تظهر فوق سطح الماء , سمكة السيجان عنيدة , , تحاول الهروب فى كافة الأتجاهات مخلفة دوامات مائية دائرية , الشبارة(البلطى) سمكة مسالمة وخنوعة تلتقط الطعم فى سكون , تحاول الغوص داخل جحورها ثم ما تلبث ان تستسلم للأمر الواقع , , يحكى لى عن الهدايا التى كان البحر يبعث بها فى ليالى القمر , عندما كان الماء ينحسر عن اغلب الشاطىء , فتظهر على رمال الشاطىء تستطع فى ضوء القمر , ,, ما زلت أذكر طقوس الصيد و المسماة ب (العس)حيث تنطلق عدة مراكب صغيرةفى ظلام البحيرة, وعلى مقدمة كل فلوكة شعلة صغيرة , وتتقدم المراكب بهدوء نحو أماكن نصب الغزل والتحاويط فى المراحات, وتبدأ فى المرور على كل موقع لجمع الأسماك منه ,أو من الجوابى المتناثرة , , لا أزال اذكره وهو يتحدث عنى الى جدى , ما زالت نبرات صوته المميزة تصيبنى بالشجن عندما اتذكره و هو يقول لجدى ((الواد مندوه يا حاج, , باين فى عنيه مندوه من البحر )) كان يثق فى البحر وقدراته , , , , تعودت ان اذهب معه لذلك الشاطىء الغربى البعيد , حيث الضريح المقام لأحد اولياء الله الصالحين و الذى يدعى (المغربى), أتذكر عندما مرض احد احفاده , أصر لأخذه بعد الفجر للشاطىء , , , ما ذلت أذكر ذلك اليوم , ما زلت أسمع صوت تهشم القواقع البحرية تحت اقدامى ممتزج مع رائحة البحر اليودية وقت الفجر تصلنى وانا أتابع بعينى أثار الكابوريا الوليدة على الرمال صانعة فى رحلتها الفطرية نحو البحر خيوط رملية تورثنى شجنا ما , ذاد منه صوت السيارات القادم من الطريق القريب , أتذكره و هو يجلس على ركبيته , يهمهم بأدعية ما , يضع الصغير على يديه المعروقتان , يجعل موج الفجر يداعب جسد الصغير , بينما عيناه تتابعان أسراب السمان القادمة من الشمال , , يعود بنظره للصغير , يضمه فى بطانية اعددها مقدما , يعطيه لأمه , يعدها بأنه مع شروق يوم جديد سيكون بخير , يعشق البحر , , عمله فى البحر , حتى الذنوب التى اقترفها فى حياته يعتقد أن سببها البحر , يحكى عن رحلاته فى العالم أثناء عمله فى البحر ,, يحكى كيف أدمن الخمر ليقام برودة الجو , يحكى عن توبته , والتى جائت عن طريق البحر أيضا , حيث موانىء الحجاز, حيث أول مرة يحج ويعتمر, أول مرة يزور قبر الرسول عليه الصلاة والسلام , ما زالت نبرات صوته المختلطة بصوت امواج البحر و هى تضرب الشاطىء تملىء كيانى, وعندما يرهقه الحديث , فيمصمص شفتاه قائلا .....البحر دنيا كبيرة
Sunday, May 21, 2006
Monday, May 15, 2006
أحزان ليلية
وحيدا فى طرقات ليلية , لا يشاركنى فيها الا ضلى , وقمر ضاحك , أعود لمنزلى مستسلما لجنون الطقس الربيعى , تارة يداعبنى برياحه الساخنة , وتارة يجعلنى أنكمش من صفعات الهواء البارد , أهرب بعينى للقمر المكتمل مثل الرغيف , القريب جدا من مياه القناة الهادئة , لم أكن رومانسيا يوما , لم أكن خيالى , لكنى دائما أرى فى ملامحه المكتملة رسالة ما , من بعيد تصلنى تلك الحشرجة المعدنية المألوفة , فأعرف أن أحد المساجد القريبة يستعد لأطلاق أذان الفجر , ما زالت الشوارع خاوية رغم انطلاق صوت الأذان ممتزجا بصوت خطواتى العبثية , صانعا معنى ما للشجن , أقترب من ناصية الشارع الأخير , يلفت نظرى خروج رجل عجوز , ضخم ,من أحد البيوت القديمة , يستند على يدى فتاة نحيفة , ضعيفة , رقيقة و حزينة جدا , ترتدى الأسود , من النظرة الأولى عرفت أن حزنا ما يسيطر على هذه الأسرة , أقترب أكثر , , الرجل يهمهم بأدعية ما , والفتاة تكتم أهات المعاناة , أقترب أكثر وأكثر , أصبح فى مواجهتهما , أكتشف أن قدم الرجل اليمنى مقطوعة , ربما حديثا جدا, الرجل ضخم والفتاة ضعيفة , والمسجد بعيد , أترك ابتسامة باهتة تتسرب على ملامحى المرهقة وأنا أعرض على الرجل مرافقته للمسجد , معللا ذلك بذهابى للمسجد انا الأخر , يقف الرجل ,ينظرلى نظرة زائغة , ترتعش شفتاه فى عصبية , يشكرنى بصوت مرتجف يعلو تدريجيا ليقول ما معناه انه ما زال يستطيع مساعدتى ومساعدة عشرة من امثالى , ينفعل أكثر , ينهرنى , يطردنى , أبتعد بسرعة , بينما الفتاة تحاول تهدئته و هى تشيعنى بنظرة أخيرة ,معبرة , تحمل بمعانى متباينة ما بين الأعتذار , والرجاء , والخوف , ....و الحزن
Sunday, May 07, 2006
انت فاهمنى كويس
فى يوم من الأيام
راح اكتب قصيدة
وان مكتبتهاش انا حر
الطير ماهوش ملزوم بالزقزقة
صلاح جاهين
Subscribe to:
Posts (Atom)