Sunday, May 21, 2006

مراكب الغروب

قال العجوز عندما لاحظ تأملى للشمس وهى فى رحلتها الأبدية نحو الغرب والأختفاء تدريجيا فى قلب البحر ,((, قبل ما تقف على الشط , , وتمد نظرك لبلاد الخواجات , لازم قبلا تمد نظرك لأهلك وأصلك )) , كان يكررها كل فى مرة أتى لزيارته , دائما كما هو , فى نفس المكان البعيد عن المدينة , ونفس الجلسة العتيقة , ((نهاية بورسعيد يا ياكلها البحر , يا تاكلها النار )) كان يرددها كلما سأل عن تفضيله الحياة فى (الجرابعة), كان قد ورث ذلك الخوف التقليدى من أهل المدينة القدامى , عندما كان البحر , جارهم القديم , , ومصدر رزقهم , يثور عليهم , فيهجم على المدينة ويغرقها , ويدمر البيوت الخشبية القديمة , التى وان نجت من ثورته , فان طبيعتها الخشبية تأبى الا ان يدمرها حريق من ان لأخر , لم اصدق او اتخيل موضوع الغرق , الا عندما ثار البحر منذ عدة سنوات , و اقتحم المدينة مغرقا الشوارع ويصل لعمق كيلو متر فى وسط المدينة . تعودت ان اذهب للعجوز مع جدى , أعرف انه قريب لنا بشكل ما , اراه كما تركته فى نفس الجلسة الأبدية امام البحر , او بجانب البحيرة , , يتركنى العب بجواره , اكنشف هذا العالم المثير , , وبين كل فترة واخرى يهتف باسمى , يسألنى عن اللغة الأنجليزية , , يبدأ فى كتابة حروفها على الرمال , و هو يحكى كيف كان يذهب ل (الأسكولة) التى انشاها الأنجليز لأبنائهم , ليتعلموا فيها مع المصريين نفس المناهج التى يتعلمها اقرانهم قى انجلترا , يتركنى انطلق لشاطىء البحيرة , , أصنع مراكب ورقية , واتركها للأمواج تعبث بها , تأخذها للمجهول , , اتابعها بعينى , , و , اتسائل هل من الممكن اناقابلها من جديد , , أعود للعجوز , أجده يصنع لى الطائرات الورقية , و السنانير البدائية , , يعلمنى كيف أطعم السنارة , متى اخطفها فى الوقت المناسب , تعلمت ان اتوقع نوع السمكة قبل ان تظهر فوق سطح الماء , سمكة السيجان عنيدة , , تحاول الهروب فى كافة الأتجاهات مخلفة دوامات مائية دائرية , الشبارة(البلطى) سمكة مسالمة وخنوعة تلتقط الطعم فى سكون , تحاول الغوص داخل جحورها ثم ما تلبث ان تستسلم للأمر الواقع , , يحكى لى عن الهدايا التى كان البحر يبعث بها فى ليالى القمر , عندما كان الماء ينحسر عن اغلب الشاطىء , فتظهر على رمال الشاطىء تستطع فى ضوء القمر , ,, ما زلت أذكر طقوس الصيد و المسماة ب (العس)حيث تنطلق عدة مراكب صغيرةفى ظلام البحيرة, وعلى مقدمة كل فلوكة شعلة صغيرة , وتتقدم المراكب بهدوء نحو أماكن نصب الغزل والتحاويط فى المراحات, وتبدأ فى المرور على كل موقع لجمع الأسماك منه ,أو من الجوابى المتناثرة , , لا أزال اذكره وهو يتحدث عنى الى جدى , ما زالت نبرات صوته المميزة تصيبنى بالشجن عندما اتذكره و هو يقول لجدى ((الواد مندوه يا حاج, , باين فى عنيه مندوه من البحر )) كان يثق فى البحر وقدراته , , , , تعودت ان اذهب معه لذلك الشاطىء الغربى البعيد , حيث الضريح المقام لأحد اولياء الله الصالحين و الذى يدعى (المغربى), أتذكر عندما مرض احد احفاده , أصر لأخذه بعد الفجر للشاطىء , , , ما ذلت أذكر ذلك اليوم , ما زلت أسمع صوت تهشم القواقع البحرية تحت اقدامى ممتزج مع رائحة البحر اليودية وقت الفجر تصلنى وانا أتابع بعينى أثار الكابوريا الوليدة على الرمال صانعة فى رحلتها الفطرية نحو البحر خيوط رملية تورثنى شجنا ما , ذاد منه صوت السيارات القادم من الطريق القريب , أتذكره و هو يجلس على ركبيته , يهمهم بأدعية ما , يضع الصغير على يديه المعروقتان , يجعل موج الفجر يداعب جسد الصغير , بينما عيناه تتابعان أسراب السمان القادمة من الشمال , , يعود بنظره للصغير , يضمه فى بطانية اعددها مقدما , يعطيه لأمه , يعدها بأنه مع شروق يوم جديد سيكون بخير , يعشق البحر , , عمله فى البحر , حتى الذنوب التى اقترفها فى حياته يعتقد أن سببها البحر , يحكى عن رحلاته فى العالم أثناء عمله فى البحر ,, يحكى كيف أدمن الخمر ليقام برودة الجو , يحكى عن توبته , والتى جائت عن طريق البحر أيضا , حيث موانىء الحجاز, حيث أول مرة يحج ويعتمر, أول مرة يزور قبر الرسول عليه الصلاة والسلام , ما زالت نبرات صوته المختلطة بصوت امواج البحر و هى تضرب الشاطىء تملىء كيانى, وعندما يرهقه الحديث , فيمصمص شفتاه قائلا .....البحر دنيا كبيرة

13 comments:

Omar Mostafa said...

مندوه يا واد صحيح

hesterua said...

يااااااااه
و الله زمان يا عم عمر يا فنان
عود احمد وواحشنى بجد
هو مش موضوع مندوه على قد ما ظروف النشأة يا جميل ...منورنى ياعمر

سامية جاهين said...
This comment has been removed by a blog administrator.
kalam said...

عالمك غنى اوى يا احمد
دنيتك فيها تفاصيل كتير
وانت يا صاحبى ما بتيبش تفصيله تعدى غير لما تحسها وتلاعبها
بوست جميل يا فنان

سامية جاهين said...

ياااه يا احمد! إيه الجمال ده! مش عارفة أقولك إيه... البوست دي عاملة زي البنج... سحبتني في بطء شديد ومشيتني وراك في كل حتة وصفتها وبعدين في الآخر لقيت نفسي متبنجة تماما، وفي الآخر قلت وراه بصوت عالي "البحر دنيا كبيرة".. زي ما اكون أنا اللي كنت باحكي

أعتذر لو كلامي مش مفهوم.. أصلها بجد حطيتني في حالة ما تتوصفش

يا بختك بندهة بحر بورسعيد ويا بخت بورسعيد بيك!

أبوشنب said...

مدااادددددد

يا بور سعيدي مدد

والبحر مادد يديه في قلب المدينة

مادد حروف الحكاية

جوه قلبي الوسيع

Unknown said...

نورت صفحات الدستور يا عم أحمد

أجدع واحد في الشارع said...

بجد يا احمد انت انسان جميل اوى وانا سمسمه بتكلمنى عنك كتير وانا
سمعت الاغنيه الى انت كنت كتبها
وصحبتك غنتها

Unknown said...

الدنيا بحر كبير
الدنيا بحر كبير
يخرب عقلك يا احمد

islam yusuf said...

رحال مسافر للشروق
الموج بياخده للرحيل
و الريح تعاند البعاد
و الشمس تقرا ف عيوته ليالى السهد
و الليل يخبى أوجاعه






ازيك يا بلد

arabic man said...

حلو جدا
البوست مميز الكلام رائع والاحساس عالي وراقي
بجد الله يعطيك العافية

hesterua said...

دودو
الله عليكى ..كيفك انتى
كلام
ربنا يخليك على كلامك الجميل , فى حاجات تانية كتير ادعيلى اقدر اكتب عنها , لأنها تستحق فعلا...منورنى
سامية
وفينك
يا باشا انا مش قد الكلام الكبير ده
بس بجد كلامك بيسعدنى جدا
ابو شنب المتغرب
عجوز زى العجوز بتاعك يا عم
مفيش حد احسن من حد
ابو امل
منورة باصحابها وانت اللى منورنى يا جميل بجد
ابن الشارع
ربنا يخليك يا عم وشكرا ليك انت وسمسمة وهى انسانة رائعة بجد ..منورنى
جيرو
بعض ما عندكم يا فندم
اسلام
البلد وصل
اخبار الرديف ايه يا عم مش قلتلك هانت
ayhm
و يعطيك يا جميل
منورنى

radwa osama said...

ياااااه حلو قوي ..بحسدك علي بورسعيد او الاصح نظرتك ليها واحساسك بيهاوبناسها ..بقالي كتير قوي ما دخلتش عندك ..بس بجد مبسوطة