Wednesday, August 02, 2006

صفارة انذار

كانت الساعة قد تجاوزت السادسة مساء , عندما دخلت المنزل عائدا من العمل , تبادلت التحية مع امى , وبينما همت هى بتحضير الطعام ذهبت لأرتداء ملابسى , وشعرت برغبة فى الوقوف فى الشباك , الشارع كما هو , نفس النكهة الصيفية المعتادة والممتزجة بنسيم العصر ..أطفال يرتدون بدلة الكاراتيه فى طريقهم للنادى ..واخرون يحملون اجذاء من المصحف الشريف فى طريقهم للمسجد حيث دروس التحفيظ...بينما الجانب الأكبر من اطفال الشارع بدأوا فى التجمع لممارسة نشاطهم اليومى فى لعب الكرة فى الشارع..اتابع الجيران فى جلساتهم الصيفية داخل البلكونات , والتى ما تبدأ غالبا بعد العصر , دائما الحاج احمد فى بلكونته الأرضية , واضعا كوب الشاى على السور , وصوت ام كلثوم يأتيه من الراديو القريب بينما يتلذذ بالسيجارة الوحيدة المسموح له بتدخينها يوميا , وبينما ينشغل عم حسن برى الزرع فى البلكونه تمارس زوجته هوايتها اليومية فى الحديث مع جارتها فى البلكونه المجاورة....اتذكر مقولة كثيرا ما يرددها احد اصدقائى....لا جديد تحت الشمس
ينتشلنى نداء امى من بعض الأفكار الوجودية...أبدأ فى تناول طعامى بينما تجلس هى امامى نفس الجلسة اليومية , اصابعها تداعب يطريقة لا ارادية قطعة خبز على المنضدة , بينما تخبرنى كعادتها اخبار فاتتنى فترة وجودى فى العمل....(( خطوبة هبة بنت ام هبة بوم الجمعة الجاية , الست كلمتنى ومأكدة عليا...احمد لازم ييجى )) ...وكالعادة تخبرنى بحدوث عطل ما فى التلاجة يستلزم قيامى بما يلزم ...أسألها عن لبنان وهل هناك جديد...فتخبرنى ان سوريا حشدت قواتها على الحدود ثم تردف ...ربنا معاهم يا رب.


وفجأة انطلق صوت صفير عالى جدا , وقريب جدا , بل ومقبض جدا جدا , يختلف حتى عن صوت السفن الذى اعتدناه نت السفن المارة فى القناة , نسرع للبلكونة لأكتشاف سر ذلك الصوت , لنكتشف ان كل الجيران وسكان الشارع يشاركوننا نفس الفعل...تتضح الرؤية اكثر , هناك سيارة من المحافظة , واخرى من الدفاع المدنى ...قاموا بتثبيت صفارة انذار فوق سطح المدرسة المجاورة , بل وقاموا بعمل انذار تجريبى
لا أستطيع وصف حالة الناس فى ذلك الموقف , الرعب كسى الشارع و الأنقباض غطى البيوت ....الناس فى بورسعيد تختلف عن أى مكان اخر ...لقد ذاقوا طعم الحرب عدة مرات , عرفوا معنى الدمار , وجربوا طعم اقسى شئ فى الحرب...التهجير...ما زالت ذكريات التهجير ومرارته ماثلة امامهم
وبدأت حبال الحديث تتصل عن الحرب...رغم ضعف الأحتمال...بدأ الرجال والنساء فى استعادة ذكريات التهجير المريرة....تحكى امى حكايات اعرفها جيدا , سمعتها مرارا منها ومن جدى وجدتى , معنى التهجير وليس الهجرة , تفرق الأهل والأصدقاء , وقف الحال , رحلة عذاب من بورسعيد فدمياط ثم القاهرة وانتهاء بالدقهلية , تحكى عن الغربة و الألم , عن الشوق لبورسعيد والحنين لرائحة البحر
ومع غروب الشمس , كان موضوع الصفارة هو حديث المنطقة , الخوف مسيطر وشبح ذكريات الهجرة قائم , قال خالد ....فى أول الهجرة , كان الناس يسافرون لمعارفهم فى المدن المجاورة ...بجمعون اشيائهم ويصفون اعمالهم , ومع مرور أول شهر أصبحت الهجرة تتم بشكل اجبارى , اصبحنا تحت رحمة قوات الدفاع المدنى عديمة الخبرة و بقايا الجيش المنكسر ...يبتلع ريقه ثم يكمل قائلا ...تخيل ..( تجمعنا كلنا عند المحافظة , قالوا محدش يجيب شنط معاه , ركبونا عربيات نقل من بتاعت الجيش , محدش عارف رايحين فين ولا حتى العساكر , كنا فاكرين العربيات رايحة مكان واحد , عشان كده اتفرقت الأسر بين العربيات , وتعدى ساعات وتلاقى بيقولك انزل هنا فى المدرسة دى وتلاقى نفسك فى المنوفية واخوك فى عربية تانية كملت للمنيا , ومحدش بيجاوب) .....أصعد للمنزل من جديد , تنتابنى رغبات متعددة واحاسيس مختلفة , أشاهد التيلفزيون و لا أستقر على قناز واحدة , أشعر بحاجتى الملحة للنوم , اذهب لأغلق الشباك استعدادا للنوم , وبينما احكم اغلاق الشيش تصطدم عيناى بمشهد جديد فوق سطح المدرسة المجاورة .....صفارة انذار

4 comments:

Unknown said...

يااااااااااااه
ده يوم ما يحصل ده مش هتلاقى ناس كتير من الناس اللى ف بالى فى البلد
مش هتلاقى الا اشعب اللى بيحب مصر
تحياتى ارجو التواصل

kalam said...

ربنا يستر

hesterua said...

ابو امل
محدش عارف بجد ايه اللى بيحصل واللى هيحصل منورنى
كلام
يا رب
ومنورنى

Anonymous said...

البوست دا صحى موقف قديم اتعرضتله زمان قوى
ارتبط فيه صوت صفارة الانذار بصواريخ سكود اللى بتضربها العراق واقنعة الغاز وصوت دعاء امى ودموعها اكيد احساس مؤلم ومش يتمحى من مخ طفله عندها 6 سنين لحد دلوقتى