Monday, March 20, 2006

سفارى

المشهد الأول
الزمان: نوفمبر2001 الساعة الثانية عشر ليلا
المكان : ساحل البحر الأحمر بالغردقة امام فندق الشيراتون القديم , فى احد القوارب المطاطية ..ذوديك
القارب المطاطى يشق مياه البحر الأحمر وانا بداخله متجها من اليخت الذى اعمل به والقابع على مسافة عشرين مترا من الشيراتون القديم فى طريقى لأحد اليخوت القابعة فى الميرديان على بعد مائة متر
عند وصول القارب لليخت وعلى أثر صوت المحرك يظهر من اليخت احد الشباب مستفسرا
يقول :خير .....أقول خير ان شاء الله ....انا من يخت البرنس ماندو من طرف الريس حسن سفاجا , وكنا عايزين شيف من عندكو عشان عارفين انكو مريحين الأسبوع ده
الشاب متسائلا عن نوع الرحلة ...ديلى و لا سفارى .....قلت سفارى ان شاء الله
الشاب ..اتفضل ..الشيف فى البر بيجيب الزوادة وجاى على طول
ثم مد يده ليأخذ حبل القارب منى ليربطه فى مؤخرة اليخت
عند دخولى اليخت لم يلفت نظرى فيه شىء مختلف عن اغلب يخوت المنطقة ...نفس الديكور ونفس علب البيرة الفارغة المتناثرة هنا و هناك , بعض زجاجات الخمور ما ذالت موضوعة على الأركان , وكثير من المجلات الأجنبية ملقاة باهمال فوق الأرفف وعلى الأرضيات , ومن فوق السن ديك شابان يلعبان الطاولة ينظر لى احدهما بلا مبالاة
ثمة شاب يجلس على حافة اليخت مقطعا الكلمارى لأجذاء صغيرة استعدادا للصيد
جلست بجوار الشاب الذى بدأ فعلا فى الصيد
قلت ..كعادة اهل المنطقة من العاملين فى البحر..السلام عليكم يا ولد عمى
قال .. وعليكم السلام , ثم تأملنى للحظة ثم قال....شكلك مش من الغردقة ولا القصير لحقوا يبهتو عليك بلغوتهم
قلت ..عادى يعنى , انت لهجتك مش غريبة عليا...انت منين؟
قال..مش تسألنى الأول اسمك ايه
قلت .. معلش , انا احمد من بورسعيد
قال .. سيد من بورفؤاد
قلت بدهشة .. معقولة يعنى جيران ...بس اززاى مااقبلتكش فى بورفؤاد
قال ..عشان تقابلنى فى وسط البحر الاحمر الساعة 12 بالليل
قلت .. دا انت فيلسوف يا ريس سيد
قال .. اه الريس سيد ليسانس اداب علم نفس
قلت .. واكيد مستنى الحتة الخواجاية وتسافر زى كل الحلوين اللى هنا
قال .. عندك كام سنة
قلت.. 19
قال .. ومتجوزتش انت ليه الحتة وسافرت
قلت.. مش عارف , يمكن عشان الكلية , ويمكن عشان أهلى ويمكن عشان مش عايز
قال..اهو انا بقى مش عايز , رغم ان كل الظروف عايزة....ثم قال..مش عارف هتفهمنى و لا لأ....عندى امى وحبيبتى , وعندى ذكرياتى اللى ماليها حلم قديم حلمت فيه انى اعمل نفسى هنا , حلمت اشتغل فى السياحة ..و زى ما انت شايف و حلمت اشتغل فى التجارة ..مفيش شغلانة فى بورسعيد معرفتنيش , بحب الرسم وحلمت اكون رسام ...رسمت وعرضت فى بورسعيد ومصر والمحافظ جه والتيلفزيون صور ..وفى الأخر اللى جاى زى اللى راح
قلت وقد لاحظت وصول الشيف..عامة ربنا يوفقك ويا ريت اشوفك قريب
قال..سجل نمرتى ورنلى عشان معنديش رصيد , وانا م الأسبوع الجاى هشتغل سفارى جنوب واكيد هنتقابل
المشهد الثانى
الزمان : نوفمبر 2001الساعة التاسعة مساء
المكان : احد الجزر الصغيرة فى البحر الحمر تسمى وادى جمال , بالقرب من مدينة مرسى علم وبالقرب من الجزيرة يقف لنشان سياحيان
على شاطىء الجزيرة يلتف عدد من السائحين حول النار اثناء اقامة حفل شواء , وكل فرد يضع امامه زجاجة البيرة المدفون نصفها فى رمال الشاطىء الناعمة ,احد السائحين يغنى وهو يعزف على الجيتار اغنية هوتل كاليفورنيا
وعلى بعد عدة امتار يجلس شابان مصريان احدهما سيد والأخر العبد لله
قلت..كويس انى قابلتك عشان انا ماشى بعد اسبوع
السيد .. خير
قلت..امتحان التخلفات بعد اسبوعين
السيد .
.عامة انا راجع بورسعيد بعد شهرين واكيد اقابلك هناك , وهحاول اسلم عليك قبل ما تسافر
المشهد الثالث
الزمان : نوفمبر 2001 التاسعة مساء
المكان: الغردقة ..مقهى السكرية
اجلس وحيدا فى انتظار قدوم سيد ,متأملا صورة نجيب محفوظ الموضوعة اعلى واجهة المقهى , واسفل قدمى شنطة السفر , على الجانب الأخر من الطريق يقف احد الميكروباصات وينزل منه سيد ويتجه ناحية المقهى
يقول.. على فكرة احتمال لما ارجع بورسعيد مرجعش الغردقة تانى
قلت ..خير
قال.. قدامى كذا فكرة , لما اقعد معاك فى البلد هحكيلك...ثم قال
عارف..ممكن اكون فى فرنسا خلال شهر بس مش قادر اعملها ..رغم كل المشاكل الا ان فى حاجة بتشدنى لهنا , حتى الغردقة اللى مجيتهاش الا السنة اللى فاتت حبيتها وعشقت الشوارع والجبال وحفظت البحر شبر شبر
المشهد الرابع
الزمان : يناير 2002 الساعة التاسعة مساء
المكان : بورسعيد , مقهى امواج بشارع طرح البحر
السيد ..مش راجع تانى يا ابو حميد...تربست خلاص
قلت..طب ناوى على ايه
قال .. اول حاجة اخطب , البنت تعبت قوى معايا , والشغل يتدبر ..مش اول مرة يعنى
المشهد الخامس
الزمان :مارس 2002
المكان : بورسعيد
قلت :ايه يا سيد , فينك دلوقتى؟
سيد : أهو يا احمد , خطبت وشغال على فرش فى الحميدى
المشهد السادس
الزمان : مارس 2004
المكان : بورسعيد
قلت : ازيك يا سيد , فينك
سيد : اهو يا احمد , شغال على تاكسى بتاع واحد صاحبى
المشهد السابع
الزمان :يناير 2005
المكان : بورسعيد
قلت : ازيك يا سيد , فينك دلوقتى
سيد : فى مصر يا احمد , شغال فى اركيديا مول
المشهد الثامن
الزمان : ديسمبر 2005
المكان : بورسعيد
قلت : ازيك يا سيد , فينك دلوقتى
سيد : اهو يا احمد مريح شوية
المشهد التاسع
الزمان : فبراير 2006 ليلا
المكان :شاطىء بورفؤاد بداخل احد السيارات
رنين متواصل من تيليفونى المحمول , يأتينى صوت سيد
سيد : ازيك يا احمد , عايز اشوفك بكره عشان مسافر المانيا بعد يومين , قابلنى بكره الساعة 9فى قهوة عبد الواحد
قلت : تمام , بالتوفيق يا سيد
المشهد العاشر
المكان : بورسعيد , ميدان المنشية , قهوة عبد الواحد
الزمان : فبراير 2006 التاسعة مساء
سيد يجلس مع 12 شخص من اصدقائه
سيد : انا مسافر بكره الفجر مصر , هبات عند واحد صاحبى وتانى يوم هكون فى المانيا, احتمال كبير انى مجيش تانى يا ابوحميد ,رجعت الغردقة من شهر واتجوزت واحدة المانية ....ومش جاى تانى
قلت : وخطيبتك
سيد : راحت
قلت : وامك
سيد :ماتت
قلت : لا حول ولا قوة الا بالله...وانا معرفش
سيد : الدنيا تلاهى يا ابو حميد , وبعدين انت كنت فى الجيش.........ثم قال
شوف يا احمد , هو غالبا انا مش جاى تانى , عقلى بيقوللى كده , لكن قلبى بيقوللى انى اكيد راجع , انا لميت اصحابى كلهم , الناس دى خلاصة العشرة يا احمد , عشرة الشارع والمدرسة والكلية , كل واحد منهم حكاية ....عايز اتصور معاكو يا احمد , عند البحر ,عند ديليسيبس , عند المينا و فى التجارى وبورفؤاد , عايز اصور بيتنا القديم فى العرب وسور المدرسة الثانوى .....فاهمنى
اليوم التالى
اقف فى موقف بورسعيد الجديد المقام فى اطراف المدينة
اتبادل النظرات مع سيد قبل رحيله للقاهرة , التظرات الصامتة تحمل الكثير
سيد :انت بالذات مكتش صاحبى قوى , مش اللى عيشنا مع بعض , أو اتربينا مع بعض , بس بجد انت من اكتر الناس اللى فهمتنى وفهمتها
أنا :..................صمت
سيد :افتكرنى بالخير يا ابو حميد , وادعيلى , يمكن منتقابلش تانى , ويمكن نتقابل بعد يومين
وعندما استقل سيد السيارة , وعندما كانت السيارة البيجو تجتاز جمرك بورسعيد ,كان أذان الفجر قد بدأ فى الأنطلاق من مأذن المدينة , حاملا معه نسمات الفجر الباردة التى اجبرتنى على احكام ربط الكوفية الصوف وانا ارفع عنقى عاليا لتصطدم عيناى بأنوار المدينة البعيدة الممتزجة بأبواق السفن المارة بالقناة وهدير القطارات المارة من بعيد راسمة فى شجن مشهد النهاية
سيد صاحبى....واحد عادى
زيى و زيك
نفس الضحكة
ونفس الحلم
ونفس النظرة فى العينتين
بتشر شقاوة
خضرة وطيبة جوه القلب
ماشافتش عداوة
سيد صاحبى ....ليسانس اداب
وحلم بسيط
مالى عيون قروا الف كتاب
ومش غايب
ودايما دايب فى ملامحنا
بيعرفها ويعرفنا
ومهما الدنيا ما تعمل فينا
وبتفرق وبتباعد
بنتواعد
وشبابيكنا بتفضل مفتوحة
على بكره
لا تخاف من ريح ولا شتا بارد
ولما الدنيا كانت بتخبط
عمره ما يهبط
أو بيهاجر
وفيها يعافر
ودايما قادر يثبت ليها
انه الأبسط
وكان فنان
اجدع واحد يرسم
شط وبحر ومركب
ويصور ناس
وكان انسان
قلبه برىء مليان احساس
زى عنيه
واحلى هدايا فى عيد الحب
من صنع ايديه
سيد صاحبى قاللى مسافر
لم الناس وهات الشلة
انا مش راجع
قلت يا سيد انا مش سامع
قال مش راجع
اخر ليلة يا اعز الناس
وكانت ليلة بطعم الذكرى
وهو يصور شط البحر
وركن القهوة
وسور مدرسته وارض الساحة
وكل خطاوى مشيتها حبيبته
وقاللى يا واد لم الناس
وقولوا تشيز
دى اخر صورة بلون ايامنا
وقفوا الناس
وقالوا تشيز
وقلت فسيخ بطعم فراقنا
سيد صاحبى طار مش راجع
وحط هناك
و انا مستنى
فجرى الطالع
يمكن ييجى
و يمكن مرة السيد يرجع
ويمكن اطيره انا م الشباك
احمد

13 comments:

AUCWORKERS said...


في كام مليون سيد يا عم احمد في مصر
ولسه في كام مليون تانيين حيتولدوا طول ما الكلب قاعد على كرسي العرش وحيورثه لابنه
.....
تدوينه رائعه بجد

ايمان said...

كل مرة تبكيني يا أحمد، أحب البلد و الناس أكثر، كل مرة أقرأ عن الصياد العجوز الذي تحادثه في ليلة شتاء ممطرة قرب الميناء، أو عن جدك، أو عن الناس البسيطة في بورسعيد، و اليوم عن سيد، تبكيني و تزيد من مرارة الوجع الذي يرقد في قلبي،علي حال الناس و البلد
حديث الهجرة لا يشمل جيلكم فقط، نحن ايضا تداعبنا فكرة الهجرة من حين لأخر، تراودنا عن ذكرياتنا و لكنه الخوف الذي يدفعنا لحماية الابناء من القهر الحالي و المتوقع في المستقبل، ماذا أقول لك، لنا الله

Doaa Samir said...

لأ مش معقول الكم الهائل ده من المشاعر المدكوكة والمليانة حكاوي وغناوي.. مش عارفة ليه وأنا باقرأ، حسيت إني في عز الشتا بقلب الليل مع إن الجو حر وشمس والساعة الحادية عشرة صباحاً!!!د

ياااه، هي حالها كده، بنتقابل ونتفارق ومين عارف، يمكن ف يوم....!!د

hesterua said...

تامر
والله ما عاوزك تبكى يا عم تامر
انت بالذات عارف الحساس ده عندك
وفاكر لما كنا بنتكلم فيه على امواج
مالك
منورنى يا جميل
ايمان
بجد سعيد انى قدرت اوصلك الحساس ده
دعاء
دايما مشجعانى انتى وعلى رأيك
بنتقابل ونتفارق ومين عارف، يمكن ف يوم

...دنيتي said...

احساسك حلو اوي وصلّي من الشاشة
كنت هعيط:(

...دنيتي said...

بالنسبة لتدوينة قطرات خريفية
ايه اخر المشهد ده بالنسبالك وهيعدي ولا لأ
لأني جواه دلوقتي
وحاسة ان عمره ما هايعدي

شريف محمد said...

تدوينة جميلة جدا
القصيدة اللي في الاّخر رغم انها تلخيص للقصة الا أنها عالم تاني تستمع باجترار القصة على أنغامها
حاسس ان سيد دة مش غريب عليّ
شفته قبل كدة بس مش فاكر فين
يمكن يكون بتاع الكافتريا اللي بشرب الشاي عنده
يمكن يكون واحد من أصحابي
مش بعيد يكون أنا
بس قوله لو ناوي يرجع .. مايجيش والنبي عن طريق البحر
مرة أخرى .. أسجل اعجابي الشديد بمدونتك

قبل الطوفان said...

"ليلة بطعم الذكرى"
نعم.. هكذا شعرت بتفاصيل الحكاية بدءا من الحوار البسيط الموحي ومرورا بشاطيء البحر الذي يرسم ملامح أهله ووصولاً إلى وجع البعاد
السفر كلمة السر في حكايتك
لكن الهجرة كما تعلم ربما تكون جزءا من المشكلة.. مثلما قد تكون باباً للحل.
أحسنت

hesterua said...

استاذ خالد
يا باشا انا مش قد الكلام ده
دنيتى
منورانى والف شكر بجد
هو عد وخلص ووصل المحطة
فهرنهيت
وصل يا باشا وقلتله
منورنى
ابراهيم
منورانى يا ابو خليل
اعرف عشرة
عم ياسر
الله يكرمك
بعض ما عندكم يا جميل منورنى
أبو فوزى
واحشنى يا واد
يا عم احنا بنحاول يا عم
انا لسه بقول تاتا
بعتذر عن يوم بيتزا بينو

Unknown said...

مش عارفة
بس حاولت افتكر اغنية تراثية
فيها صوت أم بتهدهد ابنها اللى اسمه سيد
بتهدهده وتضمه وتهننه
ومعرفتش
حاولت احضنه ف اخر مشهد عشان متاخدوش الالمانية وتسافر
ومعرفتش
ومفضلش غير الدموع يا احمد
وايدين مضمومة ع الفاضي

Anonymous said...

لو نملك نحلم كنا حلمنا
لو نقدر نعمل كنا عملنا
لكن دا بعيد
دول سرقوا الفرحه وسرقوا الحلم
وسابونا نتوه
سرقوا الطريق
سرقوا الطموح
خدوا كل شئ
بصيت لبكرة
كمان خدوه
مستنى ايه
مفضلش غير فكرة
خبيتها جوة القلب
يمكن تتسرق

انت جامد جدا يا خال واحشنى على فكرة
ورد يا شلبى انا بتكلم جد قابلنى فى المطار زى سيد

hesterua said...

ابو الروتين يا دكترة
يا عم بعض ما عندكم يا عم
واحشنى يا فنان بجد
بورسعيد مستنياااااااااك
شكلنا هنتقابل فى المطار قريب فعلا

ساعه الغروب said...

مش ممكن وصفك واحساسك ده

حسيت انى اعرف سيد وان انا اللى كنت صديقه ليه
حسيت انى كان لازم اعتذر لخطيبته وكان لازم اعزيه فى والدته
حسيت انى اعرف بيته ومدرسته وحتى القهوه وشكل اصحابه
حسيت ببروده لفراقه
حسيت بدموعى فى وداعه

وفى النهايه مستنينو
و الحمد لله انى لسه ما عرفتش ولا سيد عن قرب