كنت أسير فى شارع كسرى عندما استوقفنى ذلك الرجل وأسرته قائلا
أروح سينما ماجيستك منين ؟
قلت..ياااه دى اتهدت من سنتين ومكانها برج دلوقتى
قال..يااااه , بجد , خسارة انا جايب الولاد من مصر مخصوص عشان يشوفوها
ابتسمت قائلا...وانا كمان كنت بحب أشوفها
أكملت سيرى وأنا أتذكر سينما ماجيستك وأيام سينما ماجيستك , تلك السينما الأوربية الطراز والتى تبعد ماسافة أمتار عن مياه القناة , والتى عاصرت قاعاتها وكراسيها سنوات عزيزة من مراهقتى
مثلما انقسمت بورسعيد قديما لحى الأفرنج , وحى العرب , ومثلما كان سوق العرب هو الروضة وسوق الأفرنج هو البازار , كانت سينمات حى العرب هى سينما مصر وسينما الأهلى وسينمات الأفرنج هى سينما ريو وسينما ماجيستك , ومنذ ان عرفت السينما والى وقت قريب كان لا يوجد فى بورسعيد غير تلك السينمات , واحدة منها فقط وهى سينما مصر التى كانت تعرض الأفلام الحديثة وقت عرضها فى قاعات القاهرة وكانت تعرض خمسة أفلام فى السنة أولها فيلم عادل امام , بينما باقى السينمات تعرض أفلام قديمة بأستثناء سينما ماجيستك التى كانت تعرض افلام حديثة نسبيا قليلة الجماهيرية
ومع بداية فترة المراهقة , وضمن الأشياء الكثيرة التى لازمتنى وبقيت معى حتى الأن كان ادمان دخول السينما وحيدا , عشق غريب للتوحد مع مفردات العمل طوال مدة العرض , لم ولن أنسى تلك اللحظات الشتوية التى كنت أجلس فيها وحيدا داخل سينما ماجيستك , شاعرا ان الموسيقى التصويرية تعزف فقط لى , غالبا لم يكن يشاركنى القاعة سوى بضع أفراد متفرقين , هناك شاهدت فيلم الكيتكات لأول مرة مع فيلم الأب الروحى , وشاهدت فيلم الهروب وماستركارتيه فى عرض واحد
ما زلت أذكر طعم تلك الرائحة العجيبة والتى هى مزيج من رائحة التبغ واللب ورائحة عتيقة لا أدرى ما هى , ما زلت أشتاق لملمس رياح البحر الباردة وهى ترتطم بوجهى عقب خروجى من القاعة الدافئة ليلا
اختفت سينما ماجيستك ضمن اشياء جميلة أخرى اختفت من بورسعيد , ظهرت سينمات أخرى تابعة للفنادق الضخمة والقرى السياحية ولكننى حتى الأن لا زلت أعشق تلك السينما بكل ما فيها من عبق , أحيانا أسترجع تلك الأيام بالذهاب لسينما مصر , لم يعد الأقبال عليها كما كان , حيث يعتبرها الجيل الجديد سينما بلدى , أمس , وعندما انتهيت من العمل , لم تكن عندى رغبة للذهاب للمنزل , موقف أخر من تلك المواقف التى اكتشف فيها انى انسان وليس ملاك , اكتشف انى
اخطئ مثل الأخرين ويجب على تحمل مسؤلية تصرفاتى المتهورة , لم تكن عندى رغبة فى المنزل , ولا رغبة فى الطعام , ولا فى البقاء فى العمل , ذاهد حتى فى الكلام , وجدت نفسى اقطع تذكرة حفلة السادسة , وحيدا جلست طوال مدة عرض الفيلم , حاولت خلق عالم أخر أعيش فيه ولو مدة العرض , وعند خروجى من باب السينما , أحسس برغبة
فى الرفرفة , فى احتضان العالم , شعرت بألفة غريبة لكل وجه من تلك الوجوه التى تملأ صيف المدينة
الصور...سينما الأهلى ,, سينما مصر
عدسة....العبد لله