Thursday, January 05, 2006

عن اللى جرا واللى مستنينا

صوت ارتطام شيش الشباك وارتداده جعلنى القى نظرة سريعة من الشباك احاول من خلالها التنبؤ بحالة الجو فى الساعات القادمة, الجو الرمادى الأليف بالخارج انبأنى بقرب قيامى بجولة شتوية من التى افضلها فى تلك الأجواء
قليلون هم من يستطيعون امتلاك تلك اللحظات من المشى تحت المطر متمتعين برؤية اجواء لن يستطيع الكثير رؤيتها فضلا عن معايشتها من رؤية البحر وهو يستقبل الأمطار فى شجن او التوتر الملحوظ فى على سطح القناة
قليلون هم من يتذكرون ( اول شتاوية )فى العام
ارتديت ملابسى المفضلة فى مثل تلك الجولات والتى تعتبر الأولى فى هذا العام, فى الغالب هو نفس الطقم اياه والذى عندما ادخل فيه اتقمص لا اراديا دور عادل ادهم ومحمود عبد العزيز واحمد ذكى وكل من اشتهر بالبالطو والكوفية
((ناقصنى سيجارة بقى))
قلتها لنفسى على الرغم من انى غير مدخن اساسا
قديما كنت اتحمس امثل هذه الجولات الشتوية, كنت اعشق المدينة فى تلك اللحظات, احاول التعرف على الوجه الأخر للمدينة , وجها اخر غير الذى الفته وعرفته, كنت احاول اكتشاف الناس والأماكن , اذهب للبحر وامر على الشواطىء , امشى بمحازاة ضفة القناة, كنت انتقل ما بين شواطىء بورسعيد وبورفؤاد عاشقا لرائحة التراب المبلل بالمطر.
الأن اصابنى الركود مثلما اصاب اشياء كثيرة وجميلة فى حياتنا , ولكنى لا استطيع التخلى عن تلك الجولات الشتوية
لذلك عندما قررت ان تكون جولتى قريبة قررت ان تكون جولتى قرب معدية الرسوة , فى ذلك المكان المنعزل والذى يبعد عن منزلى 20 دقيقة سيرا على الأقدام
فى مدخل العمارة قابلت عم مصطفى
وعم مصطفى هذ نموزج الجار التقليدى فى الشارع المصرى , اعتقد ان كل منا يمتلك عم مصطفى فى منزله او شارعه
اعتقد ان كل منا يمتلك ذلك الرجل الطيب ذو العجلة الأذلية والجريدة وعلامة الصلاة وملامح الطيبة واهم شىء هو ذلك السؤال الدائم عن الحال والأحوال وصحة الأهل ثم الكلمة المشهورة((السلام امانة))انه عبق الشارع
عم مصطفى-اهلا اهلا اهلا ازيك يا ابو حميد
انا- الحمد لله ازيك يا عم مصطفى باعتلك السلام مع عمرو والله
عم مصطفى-وصل يا ابو حميد كل عام وانت بخير اخبار الجيش ايه معاك
انا - هانت يا عم مصطفى دعواتك
عم مصطفى-ربنا يكرمك ونسمع عنك كل خير يا ابوحميد قولى مش عاوز اى حاجة انا زى ابوك
انا -الف شكر يا عم مصطفى
عم مصطفى-خلى بالك من نفسك والسلام امانة للحاج والحاجة وربنا يديم المحبة
اكمل طريقى قائلا لنفسى ((الدنيا لسه بخير والله))واكمل جولتى الشتوية الولى هذا العام
كالعادة وزى ما عم جاهين بيقول , ضربت ايديا فى جيوبى وهات يا مشى لغاية الرسوة, فعلا قلبى كان طرب ابتداء من منير وفيروز انتهاء بدندنة موسيقى جورج زمفير ((الراعى الوحيد)),دائما ومنذ زمن وكان لدى اعتقاد بوجود ما يسمى بالأغانى الشتوية والموسيقى الشتوية , كنت اشعر وانا اسمعها فعلا بالبرودة , اكاد ارى الأمطار امامى
اذكر اول مرة سمعت فيها فريق كرنبررز تأكدت من وجود ما يسمى موسيقة شتوية, من يومها وانا فى تلك الجولات استعيد رصيدى من تلك الأغانى الشتوية والتى حظى الرحبانية منها بالرصيد الأكبر
عندما وصلت للرسوة استقبلنى شاطىء القناة بمائه وتوتره وهوائه وعم فاروق
لم اكن اعرف اسمه وقتها....عم فاروق ذلك الصياد البسيط والذى تقابله فى البحر والبحيرة وعلى سطح القناة او فى نيل القاهرة ...هو تلك الحالة الفريدة بتجاعيد الزمن على وجهه وفلوكته البسيطة ومعافرته مع المجداف ومعافرة الأثنان مع الأمواج.....فى هذا الجو اثر عم فاروق الأحتماء بشاطىء القناة لحين انتهاء المطر واضعا قطعة من المشمع القديم والمتهالك على ظهر الفلوكة حتى يحميها من غضب الطبيعة
قام الرجل بربط الفلوكة فى ظهر رصيف المعدية عكس اتجاه الرياح بحيث اصبح فى مأمن من الرياح وامامى تماما
ثم قال موجها حديثه الى..مستنى حد؟..قلت لأ
قال.لوعاوز تروح البر التانى اوديك بس بعد المطرة
رغم اغراء الفكرة انى اعبر القناة فى فلوكة الا انى قلت له شكرا يا حجوج
قال ..متفكرش كتير يا ابنى ومطرح ما ترسى دقلها...واعمل زى ما كان الشعراوى بيقول..خليك مشعلق فى ربنا
قلت..الله عليك يا عم الحج
قال..بقالك كتير مجيتش (تنتش)تصطاد من هنا
قلت بدهشة انت تعرفنى يا حجوج
فعلا انا لم اصطاد من هذا المكان منذ اكثر من سبع سنوات
قال..فاكرك انت واصحابك وابوك وانت بتيجى تنتش هنا من على اللسان ده
ثم قال..يا ابنى انا بقالى 60 سنة شغال فى الناحية دى وعمرى ماسيبتها حتى للبحر وحتى ايام الحرب كنت مستبقى
انا..ربنا يديك الصحة يا حاج العتب على النظر بقى
قال..انا عمك فاروق من القابوطى وبنتى ساكنة هنا فى بورفؤاد
قلت..انا جدى كان صياد وجدودى كلهم كانو بتوع بحر
قال..اسمه ايه؟ وعندما قلت اسمه اكتشفت انه لا يعرفه
ثم قررت الأستفسار عن احد المواضيع والتى كانت محل نقاش فى بيتنا المتواضع ليلة امس, حيث كان يعرض برنامج من تلك البرامج السلبية والتى تناقش معركة 56 بمناسبة العيد القومى لمحافظتنا السعيدة 23 ديسمبر
وكان الرأى الغالب فى البرنامج ان مصر لم تحارب ولم يكن هناك مقاومة ولا يحزنون , وان الحاصل هو ان الأتحاد السوفيتى هو من ضغط على امريكا والدول الأوربية لكى تترك مصر , وعلى الجانب الأخر كانت الخلافات الجانبية المعتادة بيننا عن من قاوم هل الشيوعيين وخلايهم ام الأخوان وخلاياهم , ناسين او متناسين مئات الشهداء والفدائيين من بورسعيد ومن خارج بورسعيد والذين لم يكن يوجههم اى تنظيم الا حب هذا البلد وهذه الأرض و من اشهرهم جواد حسنى وكتائب فدائى جامعة القاهرة والأفراد من عمال المصانع
الشىء الوحيد الذى اثق فيه وسط كل هذا العبث هو انى ومنذ تفتحت عيناى على الدنيا وانا ارى فى دولاب جدى العتيق مسدس وبندقية الى من التى يطلق عليها حتى الأن فى الجيش وسوق السلاح ألى بورسعيدى
وكان جدى يدعنى العب بتلك الأشياء وهو يروى لي عن اصدقائه من الفدائيين والذين كان يحضرهم متخفيين فى ملابس الصيادين فى بحيرة المنزلة ومنهم من استشهد ومنهم من ظل على صداقة بجدى حتى لجظة وفاته منذ شهر وما يزالو يحضرون الى بورسعيد هم وابنائهم واحفادهم
قلت له..كنت فى البلد وقت حرب 56 يا عم فاروق؟
قال.. يا ابنى انا كنت (فداوى)وكنت اخوان مسلمين
قلت..الله انت اخوانجى يا عم فاروق
(واضح ان الرجل لايعرف الفرق بين الأخوان والشيوعيين)
قال..اه دا اول ماصاحبتهم كان سنة 51 لما كانوا بيحاربو الأنجليز وكانوا بيخبو السلاح والزخيرة عندى , بس ابويا لما عرف ضربنى وخلانى اديهم حاجتهم , بس لما رجعوا (الفداوية سنة 56)كنت معاهم وكنت اخوان برضو
وكانو بيحطوا البنادق فى مقاطف الصيادين وكنت بعينها فى مركبى القديم
استعدت حوارى مع احد اصدقائى والذى قام بعمل حوار مع احد الصيادين من امثال عم فاروق عن الفدائيين وكان ملاحظته هى دهشة الصياد البسيط من هؤلاء الفدائيين الى جاين يحاربوا ويستشهدوا ورغم كده كانوا بيشربوا خمرة
استعدت ذكرياتى من حكايات جدى وجدتى واقاربى عن سيارات الدولة وهى تقوم بتوزيع السلاح على اهالى بورسعيد فى شارع عبادى وشارع كسرى وتذكرت اسامى شهداء من المفترض انهم اقارب لى
تكلم عم فاروق وحكى ذكريات واحداث اضيفت الى دفتر ذكرياتى

وعند نهاية تلك الجولة الشتوية كانت بداية سؤال ازعجنى جدا
لمتى سنظل نتناحر ؟ ولماذا هذه السلبية؟
لماذا نجد منا من بجلس واضعا رجل على رجل متباهيا باكتشافه العظيم اننا لم نحارب ولم نقاوم
لماذ تكريس هذه الروح السلبية؟
هل كتب علينا ان نعرف ان الأخوان فقط أو الشيوعيين فقط هم من قاوموا وتكلموا؟
لم امتلك وانا فى معرض بورسعيد ابيض واسود للصديق وليد منتصر عندما رأيت صور الشهداء الا ان اقرأ الفاتحة لكل من دافع عن تلك الأرض سواء كان حزبيا او فردا عاديا

4 comments:

may said...

i like your writing.happy new year.keep enjoy your readers

radwa osama said...

كعادتك تكتب بحميمية ..عارف انا بحسدك على بورسعيد ..وبحسدك على تنفيذ رغباتك بسرعة اوحش حاجة التفكير فى الرغبات اللى من النوع ده ..انا احيانا اقوم الصبح احس انى نفسى اروح الحسين او عند حد معين لو فكرت وحللت تنتهى اللذة بالحاجة لازم اقول لنغسى وقتها يلعن ابو اى حاجة فى الدنيا لازم اعمل الحاجة الفلانية وقتها بيكون طعمها حلو قوى ..البوست هايل يا احمد

hesterua said...

بجد سعيد بكلامك ده يا رضوى
احلى حاجة اننا نعمل اللى احنا عاوزينه
بس الأجمل فى الحالة دى هو
اللى احنا حاسينه
ناس كتير ممك يبصوا لينا على اساس اننا مجانين...بس عادى يعنى
بجد كلامك اسعدنى

ساعه الغروب said...

بجد لما بقرأ لك حاجه كاتبها وبتحكى فيها كده عن بورسعيد بغير على بورسعيد من حبك ليها

أصلى بمووووووووت فى كل حته فيها وماعنديش من الكلام اللى اقدر اقولهولك غير كده:
بجد الف شكر ليك
ميه منهم منى والباقيين كلهم من كل مكان كتبت عنه فى بورسعيد

بجد شكرا ليك لامتاعنا بكل كلمه بتكتبها عن بورسعيد