Tuesday, December 06, 2005

اخر الليل

((المعدية))
قلتها للسائق الوحيد الذى عثرت عليه فى شوارع بورفؤاد فى ذلك الوقت المتأخر قبل الفجر
الشوارع فارغة وحيدة ساكنة كقبر خوفو لا تسمع الا نباح كلب من بعيد او سيارة مارقة فى الشارع المجاور,الشوارع لا يوجد عليها الا اثار الماء الناتج عن غسيل البواب للسيارات مخلفا بحيرات صغيرة من الماء عند كل اطار من اطارات السيارات ولم ينسى البواب رفع قضيب المساحة كدليل على الهمة فى العمل
رد السائق الذى لم تذل عيناه حمراء من اثر النوم او قلة النوم لا ادرى بالتحديد (( اركب)) قالها باقتضاب
ركبت بجوار السائق بعد ان وضعت شنطة السفر فى الخلف
عندما انطلق السائق نظرت فى الساعة , فى تلك اللحظة نسيت انى نسيت الساعة فى المنزل
لم يعد هناك وقت كى استعيدها اذن على الذهاب للجيش بدون ساعة لمدة اسبوعان
(ما علينا الموبايل معايا)
قلتها لنفسى وانا استعيد تلك الحالة التى تصيبنى ليلة السفر طيلة عمرى
اكاد اكون واثق انى نسيت شىء رغم المراجعة و رغم كتابة كل شىء فى ورقة
فى تابلوه السيارة عرفت ان الساعة الرابعة والنصف تماما
(زى كل مرة)
قلتها لنفسى وانا اعيد حساب المدة من منزلى فى حى بورفؤاد مرورا بالمعدية حتى اعبر للضفة الغربية ..بورسعيد..او افريقيا كما يحلو لأبى ان يقولها باعتبار ان بورفؤاد تقع فى اسيا
على قدر عشقى للمعدية واعتبارها فسحة فى حد ذاتها الا انها نوعا ما تشكل عطلة لمن يعمل فى بورسعيد خصوصا فى حالة مرور قافلة سفن فى القناة او حالة الشبورة المتكررة
عندما وصلت السيارة للمعدية وجدت السائق مكملا طريقه للمعدية قائلا بتلقائية
(( الموقف ان شاء الله صح))
قلت باذن الله
لم اكن اريد تبادل الكلام فى ذللك الوقت بالذات
الا ان السائق ابى الا ان يوضح لى سبب دخوله المعدية فى ذلك الوقت
(( بالك حضرتك يا باش مهندس))
نعم
(( انا بقالى عشر سنين شغال سواق عمرى ما اشتغلت فى بورفؤاد))
لا والله
(( اه اما ايه بالك حضرتك بورفؤاد تسكن فيها و بورسعيد تشتغل فيها))
طبعا طبعا
((بالك حضرتك النظرية ان شغل البلد لوز ))
كان السائق كعادة اغلب لبناء بورفؤاد يطلق على بورسعيد البلد
عندما تحركت المعدية متجهة لبورسعيد جذبتنى اضواء بورسعيد القادمة من الضفة الأخرى
انوار المنازل مع الأضواء الصادرة من السفن الراسية فى الميناء شكلت مع اضواء عواميد الأضاءة الخاصة بالقناة و الشمندورات بانوراما رائعة , خصوصا عندما تداخلها الخلفية الصوتية لتواشيح الفجر القادمة من مسجد المجمع والمساجد القريبة والمختلطة بأبواق السفن المارة فى القناة
كل ذلك شكل حالة نفسية لدى لا استطيع ان اصفها الا بالشجن
تذكرت كلمة قرأتها منذ سنين لمحمودالسعدنى عن حالة اصابته من كثرة الترحال قال فيها
(( لا يبعث الأسى فى نفسى مثل صفير باخرة تغادر الميناء ليلا و لا تمتلىء نفسى كامتلائها بالشجن كامتلائها لصوت قطار ينهب المدن ليلا قبل لحظات من طلوع الفجر فى اللحظات التى اتاهب فيها للنوم))
(( بالك حضرتك انت تحمد ربنا انك ركبت معايا..أه.. حكم مفيش عجل الحنب التانى خالص))
انتزعتنى تلك العبارة من الجو السريالى الذى كنت قد اندمجت فيه
نظرت امامى لبورسعيد , فعلا لا يوجد و لا سيارة اجرة
حمدت الله فى سرى قائلا
(( مش ناقصة عطلة))
استعد السائق لأستفتاح يومه اخرج من جيبه علبة السجائر الكليوباترا او الكولوباترا كما يقول واخرج من السيارة شريط لجورج و سوف وضعه فى الكاسيت مشوش الصوت ليذيده تشويشا ثم قام باعطائى سيجارة فرفضت السيجارة قائلا
(( مبشربش والله))
فرد السائق
(( بالك حضرتك العبد لله ميعرفش يشتغل ويتعامل مع الناس و يفك التشفيرة الا بالسوجارة الأولانية دى))
ثم ضحك قائلا
(( اصطباحة لا مؤخذة))
بمجرد نزول السيارة من المعدية وانطلاقها فى شوارع بورسعيد الخالية الا من بضع اشخاص نصفهم من مسافرى الليل مثلى او عمال السفن الذين حان موعد وردياتهم
قال السائق
(( شكلك كده و لامؤخذة مش مكيف من جورج اغيرو))
قلت
(( يا عم براحتك دا مزاجك انت))
قال
(( قللى بس انا عندى كل الشرايط و لامؤخذة))
قلت
(( بس اللى انا بسمعه مش عندك))
قال
(( اه شكلك كده من الجماعة المثقفين بس طلبك عندى معايا البوم هتنى شاكر الجديد))
قلت
(( لأ مبحبوش بلاش ))
ثم قلت و قد قررت ان انهى الموضوع بشكل تعجيزى
(( شوف سيب جورج او حط حاجة لمنير او فيروز))
نظر لى ببلاهة ثم قال
(( اه انت منهم دا عندى الأستاذة والسلطنة كلها ...ميادة الحناوى))
قلت
(( لأ سيب جورج))
عند دوران ميدان المنشية وجدنا سيدة ارستقراطية الملامح اوروبية المظهر تقف عند ناصية شارع الثلاثينى و امامها قصيص زرع وتدخن فى انتظار سيارة اجرة
السائق
(( رايحة فين يا مدام))
فى لهجة غريبة ردت قائلة الموقف
(( اركبى يا مدام))
عندما ركبت القت السلام بلغة عربية مكسرة
ايقنت كما توقعت انها اوربية تعيش فى بورسعيد ولكنى لم ارها سابقا
اخرجت السيدة علبة سجائرها المستوردة وقامت باعطائى واحدة بدون كلام
(( شكرا مبشربش))
وعندما اعطت السائق قال
(( لسى طفيها ومبغيرش))
قالت مستغربة
(( ايه اللى غيرك))
قال
(( مبغيرش عشان صدرى))
ثم ضحك على هذة المرأة التى لا تفهم كلامه
سألتنى بعربية مكسرة
(( هو بيقول ايه واضحك ليه))
قلت
(( بيهذر))
وعندم رايت علامات عدم الفهم قلت
(( just funny))
ثم سالتها اذا كانت مصرية وكنت متوقعا النفى الا انها اخبرتنى انها صحفية مصرية من اصل بورسعيدى و تعمل فى فرنسا منذ عام 75 وانها عندما ترجع مصر تعيش فى القاهرة مع بعض الزيارات المتقطعة لبورسعيدا
السائق
(( بالك حضرتك كان عندى فى العربية شريط بتاع محمد منير بس بديلى على العربية بتاع وردية الصبح سجل عليه شريط مصطفى كامل الجديد حكم الشريط كان قديم شوية , كان اسمه اتكلمى باين))
السيدة متدخلة فى الحوار
(( بس منير افضل))
قلت طبعا ثم قلت موجها كلامى لها
(( انا مش بسمع الا هو وشوية ناس تانية مش معروفين))
السيدة
(( منير بس عشان مفيش حاجة اسمها موسيقى عربية وربع تون ده مش موسيقى اساسا))
قلت لنفسى
(( اهلا انتى منهم))
ثم سألت السيدة
(( بتسمعى اى نوع من المزيكا؟))
قالت
(( مش تعرفه))
وجدت نفس الحوار الذى دار بينى وبين السائق تكرر ولكنى الأن فى موقف السائق
السيدة
(( فى انواع مش معروفة هنا زى الجاز والروك والبلوز والريجى))
قلت
(( بينك فلويد مثلا))
السيدة فى دهشة
(( انتوا تعرفوا بينك ))
ثم قالت
(( المزيكا حالة اندماج العازف مع اللحن و الألة و ده مش هنا ))
قلت
(( روجر وتر مثلا, لوى ارم سترونج مثلا))
قالت
(( بس مش تقنعنى ان فى مزيكا هنا))
قلت
(( اززاى حضرتك صحفية وبتقولى كده فى مزيكا و شعر وناس بتكتب وناس بتتأثر باللى بيحصل فى الخارج وفى ناس فى حالات جميلة جدا عندنا))
السائق
(( انت نسيت كاظم يا استاذ))
؟؟؟

8 comments:

سامية جاهين said...

يا بختك بهدوء أعصابك .. لو كنت انا اللي قابلت الست دي كنت نزلت عليها بإعصار من الأمثلة. هي عشان يعني مش عارفة مزيكتنا تبقى مش موجودة؟ قمة الجهل والاستخفاف

فينك يا حازم يا شاهين!(ح احاول اكتب عنه وأقول لكم هو مين قريب) كان زمانه قال لها "المزيكا أصلا كلها من عندنا..خصوصا عند المشايخ" وكان قعد ادالها محاضرة عن سيد درويش والشيخ إمام وسيد مكاوي وبعديها محاضرة عن الرحبانية.. قال معندناش مزيكا قال

نرفزتني الست دي! نرفزتني! نزلها على أي ناصية
:)

Omar Mostafa said...

معلش يا سامية، عادي، اللي ما يعرفنا يجهلنا يا ستي، وبعدين لولا أحمد كان موجود في الموقف ده، كان زمانها عندها نفس الاعتقاد واكتر، احنا كمان مش عارفين روحنا، سلميلي على حازم شاهين كتير، مع إنه ميعرفنيش

hesterua said...

سامية
المشكلة ان الست دى مصرية يا سامية
وصحفية فى فرنسا
يعنى اكيد خبطت و لو مرة فى كتاب وصف مصر الجذء بتاع الموسيقى
او حتى موسوعة سليم حسن
او على الأقل اكيد عارفة سيد درويش
والأنقلاب اللى عمله
بالنسبة لهدوىء الأعصاب
انا فى الوقت ده بالذات بكون على رأى السواق نازل مشفر من بيتنا
ومستنى معلومات عن حازم شاهين

عمر

الله ينور يا عمر
( احنا كمان مش عارفين روحنا)
فعلا قضية مهمة جدا يا عمر
يعنى مثلا فى حاجة بتزعلنى كتير
ان شباب كتير قوى فاكرين نفسهم سميعة ويعرفوا ايمى وجيسى وبوسى و (هايفة)
وميعرفوش
عايدة الأيوبى
و حنان ماضى
و ميعرفوش من الشعر الا نزار و مصطفى كامل

Unknown said...

ليه احنا بنحس ده وبنسمعه ؟؟؟؟
وليه هما بيحسوا ده وبيسمعوه .؟؟؟؟؟

وليه الفجوة الجامدة دي
بسبب الجهاز الإعلامي المشلول
واللي اصاب الذوق العام بالخلل
ولا بسبب عطب ف اجهزتنا الحسية احيانا

ليه احنا مختلفين قوي كده
اقصد
السواق
احمد
والمصرية المتفرنجة
ليه؟؟؟؟

hesterua said...

geronimo
موضوع مهم قوى اللى انتى فتحتيه ده
المسالة مش مزاج بس
ولا ثقافة بس
فى فترة من الفترات كنت بصنف الناس المثقفين عن طريق ثقافتهم السمعية
و هل هى على هوايا او لأ
قال يعنى الواحد خلاص فنان
رغم انى محبش حد من بتوع الأوبرا
والباليه
والموسيقة بتاعت موزار وشوبان
يعاملنى نفس المعاملة عشان معرفش الحاجات دى

طب نقول الفن هو اللى بيلمس الناس
طب ما الناس اللى زى جورج وميادة
قدروا يلمسوا الناس البسيطة
والناس البسيطة كتير منها باردو بيحبو منير وفيروز وجاهين وحداد
المسالة نسبية جدا
يا جيرو

فوزى
ماش يا عم الدوجمائى الكبير

Hilal CHOUMAN said...

أعجبني تدوينك لأحداثك اليومية فيها صدق واضح.. شكراُ لمرورك على البلوج الخاص بي..
تشرفنا بمعرفتك!

egyptaya said...

Is it possible that this lady was talking about the majority of songs that flood our ears these days ? only 5% or maybe at the most 10% of the songs we listen to in the Arab world are what I can consider an enjoyable art. The repeatition of meaning and rhythm, the cheap perfomrance and the lack of identity are so much present in most of our songs.I believe they reflect the bad political, social and economical situaions we suffer from in the Middle East.
Samia , sorry for my ignorance but who is hazem shaheen ?:)

hesterua said...

هلال
شكرا على اطرئك الجميل

egyptaya
الموضوع ان عندنا حالات جميلة وتجارب اجمل فى المزيكا بتاعتنا
بس الحاصل ان احنا نفسنا مش حاسين بيها
زى ما عمر قال احنا كمان مش عارفين نفسنا
ودى مربط الفرس

معلومات حازم شاهين فى مدونة سامية
http://semsema.blogspot.com/